الكاتب نير أَبيشاي كوهين، هو ضابط في جيش الاحتياط الإسرائيلي برتبة رائد، خدم في قوات الاحتلال العاملة بالضفة الغربية، لكنه يحمل أفكارا مناهضة للاحتلال، وينتمي إلى حزب ميرتس اليساري، وعمل ناطقا بلسان منظمة “جنود يكسرون الصمت”، التي تعتبر منبوذة في المجتمع السياسي الإسرائيلي وتتعرض لتحريض دموي واعتداءات من اليمين المتطرف، كونها تكشف ممارسات الاحتلال المخالفة للقانون الدولي وحقوق الإنسان وتدعو إلى كسر الصمت الذي يحاولون فرضه إزاء تلك الممارسات.
وقد ألف كتابا عن مواقفه بعنوان: “كيف أصبحت هكذا؟ – قصة إسرائيلية”، واختار نشر صورة على الغلاف يظهر فيها ضابط في الجيش وهو يرتدي قميصا كتب عليه: “كفى للاحتلال”، وقد تعاقد مع دار نشر إسرائيلية على إصداره. وتم تحرير الكتاب وتصحيحه وتبويبه وطبعت نسخة واحدة منه، وفجأة ألغته دار النشر معلنة أنها لن تستطيع طباعة الكتاب، واعترف مدير دار النشر بأنهم يخشون من أن يؤدي نشر الكتاب إلى مشاكل بينها وبين جمهور قرائها والمشتركين.
على إثر ذلك، حذر كوهن من انتشار ظاهرة الإرهاب الفكري في إسرائيل، ودعا كل من يؤمن بحرية التعبير أن تستيقظ. وقال: “هناك عملية زرع أفكار التخويف تنتشر بشكل مذهل في المجتمع الإسرائيلي، ولا تكتفي بكم الأفواه وتسعى لمنع أي طرف لإعطاء منبر للرأي الآخر. والأمر يستدعي وحدة صفوف كل من يؤمنوا بالحرية والخروج بحملة لإنقاذ البلاد من تلك القوى الظلامية”.
لأول وهلة، يبدو الأمر طبيعيا؛ فإسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي تتنامى فيها تيارات ظلامية تعمل على كم أفواه المعارضين وحاملي الرأي الآخر.. وبما أن الخريطة السياسية فيها تتجه أكثر وأكثر نحو اليمين، فإن أنصار الأفكار الحرة يشعرون بحلقة الكبت تضيق الخناق عليهم رويدا رويدا، ولكن الجديد أن الإرهاب الفكري يتنامى داخل معسكر اليمين نفسه، ليضرب قوى سياسية في معسكر اليمين نفسه، هي حرب خفية لا يجرؤ أحد في اليمين على الحديث عنها بشكل علني، حتى ضحاياها يعانون بصمت حتى “لا ينشروا الغسيل الوسخ خارج البيت”.
فقط صحفي واحد تطرق للموضوع، وقامت القيامة ضده؛ إنه كلمان لبسكين، الذي يدير برامج في القناة التلفزيونية والإذاعة الرسمية (كان)، ويكتب مقالا أسبوعيا في صحيفة (معريب).
إنه من أنصار اليمين المتطرف. وخلال السنة الماضية هاجم نفتالي بنيت على تشكيله حكومة بمشاركة حزب اليسار الراديكالي ميرتس والقائمة العربية الموحدة للحركة الإسلامية ومنع بذلك تشكيل ”حكومة يمين طاهرة“ برئاسة بنيامين نتنياهو، ويرى أن حكومة بنيت لم تفعل شيئا إيجابيا واحدا.
ويرى أن بنيت خان جمهور اليمين الذي صوت له لأنه رأى فيه واحدا من مركبات اليمين، بينما هو حمل الكراسي السبعة التي فاز بها ومنحها بشكل غير شرعي لقوى اليسار، التي تشكل أقلية ضئيلة في المجتمع الإسرائيلي. وهاجم محاكمة بنيامين نتنياهو بتهمة الفساد واعتبرها محاكمة صورية مدبرة.
ومع ذلك، هناك من يهاجم لبسكين هذا ويتهمه بخيانة اليمين، وذنبه أنه قال قبل حوالي سنة ونصف السنة أن بنيامين نتنياهو بات يشكل عقبة أمام تشكيل حكومة يمين طاهرة، واقترح على حزبه، الليكود، أن يرشح نتنياهو لمنصب رئيس الدولة ويختار شخصا آخر مكانه لرئاسة الحكومة من الليكود، وقال إن مثل هذا الحل يكون “ضرب عصفورين بحجر واحد، الحفاظ على مكانة نتنياهو ووقف المحاكمة، لأن القانون لا يتيح محاكمة شخصية بمنصب رئيس دولة”.
ويكشف لبسكين أن هناك تيارا في اليمين يقوده نجل رئيس الحكومة السابق، يائير نتنياهو، ومعه ثلة من المحترفين الحزبيين الذين يحيطون به ويشعرونه بأنه “الزعيم”.
ويقدم عشرات الأمثلة التي تبين كيف يقوم هؤلاء باحتلال الشبكات الاجتماعية وإغراقها بمنشورات تحريض وتشويه سمعة ضد مئات الشخصيات اليمينية، لمجرد قيام أحدهم بإطلاق تصريح أو التعبير عن موقف لا يعجب هؤلاء، ويتضح أن تيار نتنياهو جونيور يمزق اليمين ويقسمه إلى قسمين، مع نتنياهو أو ضد نتنياهو.
ويضع قائمة بأسماء ضحايا هذا التيار، فتجد بينهم قادة الحركات الاستيطانية وحاخامات ووزراء ونواب سابقين في البرلمان وصحفيين وكتابا ورؤساء بلديات وشخصيات عامة أخرى.
ويقول إن هؤلاء لا يفهمون لغة الديمقراطية وحرية الرأي. بدلا من أن ينتصروا في النقاش يسعون إلى القضاء على النقاش.. بدلا من أن يقنعوا أصحاب الرأي الآخر يرعبونهم ويهددونهم وأفراد عائلاتهم بالقتل.
ويقول لبسكين بصراحة: “هذا التيار في اليمين يمارس إرهابا بكل ما تعني الكلمة. ليس إرهابا يطلق النار ويجرح بل تيار يرهب الناس حتى يمتنعوا عن قول رأيهم ويرتجفوا في كل مرة يجلسون فيها أمام الحاسوب للكتابة. ففي إسرائيل سنة 2022، توجد مظاهر سياسية تشبه الأوضاع في أوروبا في سنة 1922”.